تعدد الزوجات (رأى شخصى)...ء
بسم الله الرحمن الرحيم،
الزوجة الثانية؛ موضوع قد قتل بحثا ممن هم أشد منى علما و خبرة و تخصصا؛ أنا فقط سأسرد وجهة نظرى الخاصة بهذا الموضوع -كالعادة- دون مخالفة قاعدة فقهية معلومة بالضرورة أو إنتقاد أحد الآراء الدينية. سيكون رأيي -بالطبع- متفقا مع بعض قرائاتى وإن إختلف التحليل.
أساسا مبدأ تعدد الزوجات مبدأ ذو شقين. الشق الأول يتعلق بالحالات التى يبيح فيها الشرع -الصحيح- هذا التعدد؛ و الشق اثانى يتعلق بمدى قبول الناس عامة لهذا المبدأ و تفهمهم له.
----------------
يجب أن نعلم جميعا أن الشريعة الإسلامية جاءت لتقييد التعدد و ليس لإباحته؛ قد كانت عادة تعدد الزوجات شائعة جدا فى أيام الجاهلية؛ و قد أمر الرسول(ص) غيلان بن سَلَمة الثقفي أسلم وتحته عشرة نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهن أربعا.؛ و فى نفس السياق لم يأمر الرسول الكريم (ص) أى من المتزوجين بواحدة أن يزيد عليها؛ وهذا أظنه أساسا يضاد مبدأ التعدد المطلق الذى ينادى به البعض.
قد قال الله تعالى فى سورة النساء:
[ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ]
و كما يقول الشرع الحنيف -على حد علمى- أن الحكم يدور مع علته؛ أى أن إباحة التعدد تدور مع العدل؛
ثم نجد أن الله تعالى قد نفى إمكانية العدل بين النساء ولو حرص الرجال عليه فى نفس السورة:
كما قال تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } [النساء: 129]
تفسير الطبرى:
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: وإن خفتم، يا معشر أولياء اليتامى، أن لا تقسطوا في صداقهن فتعدلوا فيه، وتبلغوا بصداقهنَّ صدقات أمثالهنّ، فلا تنكحوهن، ولكن انكحوا غيرَهن من الغرائب اللواتي أحلّهن الله لكم وطيبهن، من واحدة إلى أربع، وإن خفتم أن تجوروا= إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدة= فلا تعدلوا، فانكحوا منهن واحدة، أو ما ملكت أيمانكم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: النهي عن نكاح ما فوق الأربع، حِذارًا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم. (1) وذلك أن قريشًا كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل، فإذا صار معدمًا، مال على مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه أو تزوج به. فنهوا عن ذلك، وقيل لهم: إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها= فلا تعدلوا فيها، من أجل حاجتكم إليها لما يلزمكم من مُؤن نسائكم، فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النساء على أربعٍ= وإن خفتم أيضًا من الأربع أن لا تعدلوا في أموالهم، فاقتصروا على الواحدة، أو على ما ملكت أيمانكم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى اللاتي أنتم وُلاتهن، فلا تنكحوهن، وانكحوا أنتم ما حل لكم منهن.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى اللاتي أنتم وُلاتهن، فلا تنكحوهن، وانكحوا أنتم ما حل لكم منهن.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: تأويلها:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النساء، فلا تنكحوا منهن إلا ما لا تخافون أن تجورُوا فيه منهن، من واحدة إلى الأربع، فإن خفتم الجورَ في الواحدة أيضًا، فلا تنكحوها، ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم، فإنه أحرى أن لا تجوروا عليهن".
---------------
أرى -فى وجهة نظرى الخاصة- أن إباحة التعدد و الدعوة لقبوله من النساء، لحل مشكلة العنوسة أو الخيانة الزوجية، سيتسبب فى مشكلة أكبر. فمثلا إذا طالبنا الفتيات بقبول أن يكن الزوجة الثانية لرجل متزوج، فإننا قد أغفلنا حق الزوجة الأولى -المعقود عليها النكاح- أن تقبل أن تكون بلقب الزوجة الأولى؛ و هناك العديد من النساء اللاتى لن يقبلن هذا الوضع، ولهم كل الحق و الحرية اللائى كفلها لهن الشرع و القانون فى طلب الطلاق أو الخلع -على حسب الرغبة-؛ و النتيجة طلاق جديد أو خلع جديد و أسرة جديدة تنهار بعد إنشاء أسرة أخرى على أنقاضها.
أنا لا أدرى، لماذا نلقى بالتهمة على القضاء و القدر و القسمة والنصيب عند سوء إختيار الزوجان بعضهما لبعض، و ندعوهما لقبول عيوب الآخر لأن الزواج فى النهاية قسمة و نصيب و زى البطيخة مش بنعرفها إلا بعد ما تتفتح، و فى نفس الوقت لا تعتبر كون إزدياد عدد متأخروا الزواج و المطلقات -بنفس المبدأ- قسمة و نصيب أيضا؟؟!. ولماذا، كما طالبنا المتزوجين تحمل حياة زوجية هشة و بائسة، لا نطلب من متأخروا الزواج الرضا بما قسمه الله لهم بتأخير أو منع زواجهم؟؟!
إذا أبحنا التعدد غير المقنن لتقليل الزنا و الخيانة الزوجية وإعتبرناها أحد الحلول المتاحة لتقليلهما، فإننى لا أستبعد أن يطالب المدمنين بإباحة بيع الأدوية المخدرة فى الصيدليات كى لا يسرقوها أو يتاجروا فيها.
لابد من علاج المرض نفسه و ليس نواتجه. لكن بما إننا أمة - و أكرر دائما و ما أبرئ نفسى- تهوى دفن الرؤوس فى الرمال و البحث عن أسهل الحلول، فإننا بحثنا عن إباحة التعدد و كأنها الملاذ الوحيد و لتلك المشاكل المؤرقة - العنوسة و الخيانة-، و نهاجم كل من تسول له نفسه أن يقنن هذا التعدد أو يقيده، و بل و نطالب الزوجة الأولى أن تتحمل هذا اللقب دونما شكوى و تتحمل "نصف الزوج" الذى سينتج عن زواجه الثانى، و لا نبحث عن طريقة لحفظ أعين الرجال و فراغ عين بعضهم.
و أخيرا الشق الثانى المتعلق بتقبل المجتمع و الناس -والنساء خصوصا- لهذا المبدأ؛
أنا لا أنتظر قبول البشر لتشريعات السماء حتى تتطبقها، أنا فقط أتمنى أن يطبق "منفذوا الشريعة" الشريعة كما تصح و أن لا يخاطبوا الناس بتلك اللهجة الآمرة المنفرة، و نهيهم عن السؤال، فقد بلغنى أن:
جاء في صحيح مسلم: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً"
وقد بوب على ذلك البخاري في الصحيح في كتاب العلم بقوله :" باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه "
وفي الضعفاء: عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قالوا : « يا رسول الله ، ما نسمع منك نحدث به كله ؟ فقال : » نعم ، إلا أن تحدثوا قوما حديثا لا تدركه عقولهم فيكون على بعضهم فتنة.
عن أبي الطفيل ، قال : سمعت عليا ـ رضي الله عنه ـ يقول: " أيها الناس أتريدون أن يكذب الله ورسوله حدثوا الناس بما يعرفون ، ودعوا ما ينكرون ، أخرجه البخاري في الترجمة عن عبيد الله بن موسى{ المدخل إلى السنن الكبرى}
أى أننى أظن أن إباحة التعدد غير المسببة و غير المقننة و غير المقرونة بالعدل، تفتن الناس و تحملهم مالا يطيقون، و تفسد العديد من الزيجات القائمة أصلا، و تعطى الحق للرجال فى سلب حقوق زوجاتهم فى حياة يختارونها، و إجبارهن على قبول الوضع أم التخلى عن جميع حقوقهن فيم يعرف بالخلع.
لذلك إنى أرى أنه لا ينبغى إباحة التعدد بدون سبب، لأنه لم يتنامى لعلمى أى من نصائح الرسول (ص) تدعو لتعدد الزوجات، و فى القرآن الكريم إتجاه نجو تقييد التعدد و إقرانه بتوخى العدل و المحافظة على حق الزوجة، و ليس إعتداء على حقوقها فى أن تعيش حياتها كما تختارها هى مع زوج كامل و أطفالهما -إن وجدوا- فى أسرة مستقرة. فإن التعدد أساسا قد شرعه الله تعالى للحفاظ على كيان المجتمع و ترابطه، و ليس لإطفاء شهوة الرجل فى تعدد النساء و فراغ أعينهم.
------------------
و فى النهاية -كالعادة- إن أصبت فمن الله،
و إن أخطأت فمن نفسى،
و أنا لا أجبر أحد على إعتقاد آرائى، أنا فقط أعرضها، و من يريد أن يناقشنى فليتفضل.
إبكوا معنا فى مدونة تحت الحزام
كلام × الصميم
كان معكم:
د/ علاء زكى.
